855
855
روضة الصائم

دموع وشوق ورجاء ودعاء - رمضان بلا طقوس جماعية.. والوجوه توارت خلف الكمامات

18 أبريل 2021
18 أبريل 2021

«عمان»: بدأ شهر رمضان، ومضت خمسة أيام من أيامه الجميلة، وما زالت قلوب الناس معلقة بالمساجد التي أغلقتها الجائحة.. تتجمع الأسرة حول مائدة الإفطار كل يوم، فيُسمع صوت الآذان «الله أكبر الله أكبر» ثم تعلو الأصوات «ذهب الظمأ وابتلت العروق» لكنّ عيون الكثيرين تغرورق بالدمع في هذه اللحظة بالتحديد، فهم يعرفون أنهم لن يستطيعوا الذهاب للمسجد، وإن كان المسجد المجاور من بين المساجد المفتوحة فإن الصلاة فيه لها شروطها، فالناس يخفون وجوههم خلف الكمامات، ويتباعدون خلافا للصوت السابق «تقاربوا وتراصوا» وكل شخص يرى في الآخر أنه مصاب بالوباء ولا بد من تجنبه. ويكون المشهد أكثر إيلاما للكثيرين عند سماع صوت أذان العشاء، فالتراويح لن تقام جماعة في مسجد الحارة أو القرية، وصوت دعاء الوتر لن يخرج من الأعماق كما كان يبكي العيون ويرقق القلوب.

هذا الـ«رمضان» الثاني الذي تفرض فيه الجائحة شروطها التي سئمها الناس ولكن ليس أمامهم إلا الرضوخ، فللوباء أحكامه وللتعافي شروط لا بد أن يتبعها الجميع.

كبار السن هم أكثر الناس تألما من المشهد، فقلوبهم معلقة بالمساجد، وعندما يأتي رمضان يزداد ذلك التعلق وذلك الحنين.

يقول محمد بن سيف السناني: في كل يوم أسمع فيه صوت الآذان تخنقني «العبرة»، أعرف أنني لن أستطيع تلبية النداء والذهاب للمسجد، منذ بدأنا صيام رمضان حين كانت أعمارنا عشر سنوات ونحن نقيم الشهر في المساجد، نتعبد هناك ونرفع أيادينا عاليا بخضوع ورجاء أن يقبل الله صيامنا وقيامنا.. هذا العام الثاني الذي نضطر فيه للبقاء في البيت، نصلي الفروض الخمس في البيت، وكذلك التراويح التي لم نتصور يوما أن نصليها في البيت ونبتعد عن رفقاء الدرب والعمر.

يأتي صوت السناني عبر الهاتف ليقول: حتى تجمعات الأسرة الواحدة لم تعد متاحة، كنت أمني نفسي أن تلتئم أسرتي في هذا الشهر على إفطار واحد، لكن الأمر خرج عن السيطرة، نسمع التحذيرات كل يوم أن الوباء يزداد ويتفاقم.

وإذا كان السناني لم يستطع الذهاب لتأدية الفروض في المسجد إلا أن مبارك بن سلطان الحوسني يقول إنه يذهب للمسجد لأداء كل الفروض، لكن ذلك يزيده ألما. يقول: يحدث ذلك سريعا جدا، نسمع صوت الأذان وخلال خمس دقائق تقام الصلاة. ولا يكاد كل منا يعرف الآخر، الجميع يرتدون كمامات طبية، وكل منا يبتعد عن الآخر، ولا يكاد الإمام يسلم حتى يخرج الجميع دون أن نتصافح. ويضيف: مع الوقت بعد إن اعتاد الجميع هذا المشهد، نسلم على بعضنا من بعيد، وعندما لا يعرف بعضنا البعض بسبب تبدل الكمامات أو أي شيء آخر نعرف ببعضنا وكأننا نتقابل للمرة الأولى. الحوسني يقول في كل يوم أرى الدمع في عيون الجميع عندما نصلي العشاء ونخرج من المسجد سريعا دون أن نسمع الإمام يدعونا لصلاة القيام، هذه اللحظة صعبة جدا، ولكن الوباء أصعب منها بالتأكيد. وفي كل يوم نسأل أنفسنا متى ينتهي هذا الكابوس وتعود الحياة إلى مجراها؟

وعبر الهاتف أيضا يقول سيف بن خميس البادي: تعبنا، تعبنا.. كنّا نمني أنفسنا أن يأتي شهر رمضان وقد تجاوزنا هذا الوباء وعدنا إلى حياتنا الطبيعية إلا أن الأمر زاد خطورة الآن. والآن نذهب لأداء بعض الصلوات في المسجد ولكن لا نعرف إن كان هذا سيستمر إلى آخر الشهر فنسمع حديثا أن الأمر يزداد خطورة وأن كل شيء يمكن أن يغلق مرة أخرى. ورغم أن خميس البادي قد أخذ الجرعة الثانية من اللقاح إلا أنه ما زال خائفا، وعندما سألناه عن سبب خوفه قال: قالوا إن الفيروس يتغير سريعا وأنه «متهور» وكان البادي يريد أن يقول إنه «متحور»، لكن للكلمة التي قالها أيضا رمزيتها ويمكن أن يكون قد قصدها فعلا.

وإذا كانت الصلاة في المساجد أكثر ما يفتقده الناس في هذه الجائحة فإن لمة العائلة خلال ليالي شهر رمضان مفتقدة أيضا، بل إن البعض يبكي هذا التباعد الذي فرضته الجائحة ولم تعد الأسرة تلتقي أبدا، وإن حدث والتقى شخص بآخر فإن الشروط المفروضة تجعل اللقاء بلا طعم ولا لون.

لكن الإجراءات الاحترازية التي فرضتها اللجنة العليا قللت من فرص أي تجمعات سواء كانت بين الأسرة الواحدة أو حتى بين الأسر المختلفة، فالوقت بين الإفطار وبدء الإغلاق قصير ولا يسمح بفرص للقاء رغم أن البعض يتحايل عليه خاصة إذا كانت البيوت قريبة من بعضها.